إليها وهي أصوات فارغة؛ فيردها كالأصداف تحمل من درر المعاني ما يبهر العقل، أو كالأغصان تحمل من الثمار ما تشتهيه النفس.
والفكر: هو الذي يتوسل به الإنسان إلى توسيع نطاق اللغة وتنظيمها، فيدخل فيها عند الحاجة كلمات جديدة، أو يبتاع فيها أساليب طريفة، ويضع لها قواعد تساعد الناس على تعلمها، وتحفظهم من الخطأ عند النطق بها.
ومن شواهد تأثير الفكر على اللغة: أن اللغة لا يرتفع شأنها، وتظهر فصاحة ألفاظها وغزارة مادتها وحسن بيانها؛ إلا أن تلد أرضها رجالاً ذوي عقول نيرة وقرائح جيدة.
* تأثير اللغة في الفكر:
للفكر تأثير في اللغة كما أسلفنا بيانه، وهذا لا يمنع من أن يكون للغة تأثير في الفكر من بعض الوجوه. وقياس هذا: أن العلم يزيد الأخلاق تهذيباً، وللأخلاق المهذبة - كالصبر على طول البحث، والإنصاف في المحاورة - دخل في توسيع دائرة العلم، أو تحقيق ما يشكل من مباحثه.
تؤثِّر اللغة في الفكر من جهة أن المعاني لا تتمايز، ولا تخرج في وضوح، إلا أن يشار إلى كل معنى بلفظ يخصه، فاللغة وسيلة الضاح المعاني الغامضة، وتنسيق المعاني المختلطة، والرجل الذي يريد أن يؤدي المعنى في صورة منتظمة، يفكر في اختيار الألفاظ والأساليب أكثر ممن لا يبالي أن تقع صور المعاني في ذهن مخاطبه مبهمة مختلطة.
وتأثير اللغة في وضوح المعنى وتنظيمه في ذهن المخاطب أمر لا شبهة فيه، والذي يمارس التدريس أو التحرير، قد يحس في نفسه معاني مجملة أو مختلطة، فيأخذ في معالجتها بالبسط أو التنسيق، وإنما يستعين على بسطها