علم الله أن في البشر عقولاً لا تدرك وجوه الخير، وأن في وجوه الخير ما لا تصل إليه العقول بنفسها، وعلم أن فيمن يعقلون بعض هذه الوجوه أولي أهواء نزَّاعة إلى الشر، فأنزل كتاباً يدعو إلى توحيد الخالق، ويهدي إلى مكارم الأخلاق، ويسنُّ للقضاء والسياسة العامة أحكاماً عادلة، وينبه على بعض سننه في الخليقة لندرك بالغ حكمته، ويذكرنا بأيام أمم قد خلت من قبلنا لنتعظ بها، ونحذر سوء منقلبها، ويقصُّ علينا من أنباء رسله ما يصف لنا صبرهم على ما أوذوا، وتأييده لهم بما يقطع عذر المنكرين لرسالتهم، ويخبر عن بعض الحقائق الغائبة عن أبصارنا، لنزداد علماً بسعة خلقه، وكمالِ قدرته، ونفقه أن ما لدينا من وسائل العلم لا نكسب به من العلم إلا قليلاً.
وقد شاء الله تعالى أن ينزل هذا الكتاب على سيدنا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، وقضت حكمته أن ينزله بلسان عربي مبين، بلسان أمة اختصت لذلك العهد بمزايا تهيئها لأن تتقبل دعوته، وتفقه مقاصده، وتشيد بجانبه دولة تقيم لمن
(١) مجلة "نور الإسلام" العدد الثاني من المجلد الثاني الصادر في صفر ١٣٥٠ هـ - وهو نقد كتاب "الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن" تأليف محمد أبو زيد الدمنهوري - طبعة مصطفى الحلبي عام ١٣٤٩ هـ.