أن تمر على يد الكريم ثم تنصبَّ منها إلى من كانوا أدنى منه منزلة.
ويفهم من وجه التفرقة بين القسمين: أن مجرد الاستعارة عندهم لا يدخل في قسم التخييل، وقد صرح الجرجاني بهذا في كتاب "أسرار البلاغة" ناظراً في أن المستعير لا يقصد إلى إثبات معنى اللفظة المستعارة حتى يكون الكلام مما ينبو عنه العقل، وإنما يعمد إلى إثبات شبه بين أمرين في صفة، والتشابه من المعاني التي لا ينازع العقل في صحتها.
* التخييل عند الفلاسفة:
يقول الفلاسفة: إن من بين القوى النفسية قوة تتصرف في صور المعلومات بالترتيب تارة، والتفصيل مرة أخرى، يسمّيها فلاسفة العرب إذا لم تخرج عن دائرة التعقل: مفكِّرة، ويقال في عملها: تَفَكُّرٌ، فإن تصرفت بوجه لا يطابق النظر الصحيح، سموها: مُخَيِّلَة، ويقال في عملها: تخيُّلٌ، أو تخييلٌ، فمثال ما يأخذ من العقل مأخذ القبول قول القاضي عياض:
انظر إلى الزرعِ وخاماته ... تحكي وقد ولّت أمامَ الرياح
كتيبةً خضراءَ مهزومةً ... شقائقُ النعمانِ فيها جِراح
فالشاعر التفت إلى ما في حافظته من الصور المناسبة لهيئة زرع أخضر يتخلله شقائق النعمان، وقد أخذت الرياح تهب عليه من جانب، فيميل إلى آخر ميلاً يتراءى للعين أنه حركة ينتقل بها من مكانه، فوقع خياله على الجيش، والملابس الخضراء، والجراحات التي تنال الجيش المقاتل، فألَّف بينها، ثم جعل سيره إدباراً وانهزاماً؛ لأنه ولّى ظهره الناحية التي هجمت منها الرياح، وليوافق حالة جيش ظهرت فيه الجرحى بمقدار مافي المزارع الخضراء