لا نطيل القول في الاستشهاد على أن المؤلف لا يقيم للكلام وزناً أو حسابًا، ويكفي القارئ دليلاً على أنه لا يستطيع أن يضع كتاباً ضخمًا في العصبية بين قريش والأنصار، أنه طاف على أبواب "الأغاني"، ولم يستطع أن يحدثك في هذا الفصل حديثاً يدنيك من نظرية أن العرب عادوا بعد عمر ابن الخطاب إلى شر مما كانوا فيه في جاهليتهم. وهو لا يستطيع أن يضع سفراً مستقلاً فيما كان لهذه العصبية من التاثير في الشعر الذي انتحله الفريقان على شعرائهم في الجاهلية، إلا أن تغمض فيما يحدثك به من روايات موضوعة، وآراء يخذل بعضها بعضاً.
* العصبية في بني أمية:
قال المؤلف في (ص ٦٥): "وأنت تعلم حق العلم أن هذه العصبية هي التي أزالت سلطان بني أمية؛ لأنهم عدلوا عن سياسة النبي التي كانت تريد محو العصبيات، وأرادوا أن يعتزوا بفريق من العرب على فريق، قووا العصبية، ثم عجزوا عن ضبطها، فأدالت منهم، بل أدالت من العرب للفرس".
جاء الإسلام بمحو العصبيات، وهي إنما تمحى بالسيرة التي تمثل هدايته ومبادئه، وقوام هذه السيرة أمران: التعليم، والعدالة.
كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يقوم على أدب الأمة وتعليمها؛ كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الجمعة: ٢].
وكانت أحكامه وسياسته - عليه الصلاة والسلام - تمثل العدل والمساواة في أحكم صورة. وبعاملي التعليم والعدل ذهبت عصبية الجاهلية بين المهاجرين