كان عمر قرشياً مسلماً يكره له أدبه أن تزدرى قريش، كما يكره له أن تزدرى الأوس والخزرج، وقيس وتميم، ويكره له ذلك الأدب أن يزدرى عبد الله بن عمر كما يكره له أن يزدرى سلمان الفارسي، وبلال الحبشي. أما أنه ينكر ما أصاب قريشاً من هزيمة، وقد كان من أحرص الناس على هزيمتها، فذلك ما لا تحتمله إلا عقلية "أقرب إلى الغربية منها إلى الشرقية".
يسهل على المؤلف أن يضع إصبعه في سيرة يزيد بن معاوية، أو حماد الرواية؛ لأنه يجد في التاريخ الصحيح أو الباطل ما يعبر به إلى الحديث عنهما بغلو وإغراق، ثم لا يعدم أذنا تصغي إليه، أو قلبا يتلهى به، أما عمر بن الخطاب، فإن سيرته متجلية تحت نبراس من التاريخ الصحيح، لا يستطيع القلم أن يغير منها لوناً، أو يسومها كيدًا، وإن ركب منهج (ديكارت)، وتناول زاده من حقيبة (مرغليوث).
* كتابة الأنصار لأشعارهم:
حكى المؤلف قصة عبد الله بن الزبعرى، وضرار بن الخطاب، حين قدما المدينة، وذهبا إلى أبي أحمد بن جحش، وطلبا منه أن يدعو لهما حسّان لينشداه وينشدهم، فجاء حسان، وأخذا ينشدانه عما قالت قريش في الأنصار، ولما فرغا، استوى كل منهما على راحلته، ومضيا إلى مكة، وذهب حسان مغضباً إلى عمر، وقص عليه الخبر، فأرسل عمر من ردهما، وقال لحسان: أنشدهما ما شئت، فأنشدهما حتى اشتفى.
ثم قال المؤلف في (ص ٥٤): "وقال عمر -فيما يحدثنا صاحب "الأغاني"-: قد كنت نهيتكم عن رواية هذا الشعر؛ لأنه يوقظ الضغائن، فأما إذا أبوا، فاكتبوه. وسواء أقال عمر هذا، أم لم يقله، فقد كان الأنصار