حكى التاريخ أن أفراداً قصر في الفهم باعهم، أو قلَّ من أدب النفس نصيبهم، فأساؤوا التصرف في العلم لأهواء شتى، وشهد قبل هذا بأن الجهابذة من القدماء نظروا، فأحكموا النظر، ورووا، فصدقوا في الرواية، وأنهم تصدوا بأنفسهم إلى إصلاح ما يلحق العلم من آفة الاحتيال، أو سوء التأويل.
فلا تثريب على القدماء، وإنما التثريب على تلك الفئة التي لا تخلو من أمثالها العصور، حتى العصر الذي أزبد فيه كتاب "في الشعر الجاهلي" وأرغى.
* الغض من العرب والنعي على الإسلام:
قال المؤلف في (ص ١٣): "ولنجتهد في ألا نتأثر كما تأثروا، وفي ألا نفسد العلم كما أفسدوه. لنجتهد في أن ندرس الأدب غير حافلين بتمجيد العرب، أو الغض منهم، ولا مكترثين بنصر الإسلام، أو النعي عليه".
يعد المؤلف قراء كتابه بأنه سيجتهد في ألا يتأثر كما تأثر القدماء، وفي ألا يفسد العلم كما أفسدوه، وقد خانه قلمه، ولم يستطع أن يجني لنا من حديثه المسهب ثمرة.
قال المؤلف: إنه سيجتهد في درس الأدب غير حافل بتمجيد العرب، ولا مكترث بنصر الإسلام، وقد صدق القراء، وقال ما لا يخطر على قلوبهم سواه. وقال: إنه سيجتهد في درس الأدب غير حافل بالغض من العرب، ولا مكترث بالنعي على الإسلام، وهذه الجملة لا تكاد تلتقي مع الواقع؛ فإن المؤلف احتفل بالغض من العرب منذ خلعوا الجاهلية من أعناقهم،