وإذا جدوا في الاتصال به، فإنما يجدّون في الاتصال بالفضيلة، ولكن المؤلف لا ينظر إلى الفضيلة وآداب الإنسانية الراقية بعين تقدرها.
فما كان للمؤلف أن يرمي العرب بهذه العبارة المطلقة الشائنة، وما كان له أن يخيل إلى قراء كتابه أن العرب لم يجدّوا في اتصالهم بالإسلام إلا رغبة في الظهور، وحرصًا على السلطان، فإن في الإسلام حجة وحكمة تأخذان ذوي الفطر السليمة والعقول السامية إلى أن يتصلوا به ويرضوه، ولو نسلت عليهم الخطوب من كل حدب، أو سخط عليهم أمثال هؤلاء الذين أخذت عقليتهم "منذ عشرات من السنين تتغير، وتصبح غربية".
* الدين والسياسة عند العرب:
قال المؤلف في (ص ٤٨): "فخليق بالمؤرخ السياسي أو الأدبي أو الاجتماعي أن يجعل مسألة الدين والسياسة عند العرب أساسًا للبحث عن الفرع الذي يريد أن يبحث عنه من فروع التاريخ. وسترى عندما نتعمق بك قليلاً في هذا الموضوع أننا لسنا غلاة، ولا مخطئين".
لم يوضح المؤلف وجه التأثر بالسياسة حتى يعلم القارئ أن هذا المعنى يختص بالعرب، أو هو شأن كل جماعة تساس بسلطان، وإذا كان دأب العرب خاصة، فهل هو عارض لهم في بعض أطوارهم السياسية، أم هو مظهر لم ينفكوا عنه منذ قامت لهم الدولة في الإسلام؟ ومن شأن المخلص في بحثه ألا يؤذي تاريخ أمة بحديث يبهمه، وكلام يلوي رأسه على ذنبه.
تتأثر الأمة بالسياسة على معنى أن يكثر فيها الطامحون إلى الرياسة؛ كالملك والوزارة وقيادة الجيش ونحوها، وذلك ما يبعث على التنافس، وبذل المستطاع في سبيل الوصول إليها، وتختلف الطرق التي يسلكها هؤلاء