للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* رجوع المهاجرين إلى مكة:

بلغ أولئك المهاجرين خبر غير صادق، هو أن قريشاً كفوا أذاهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين (١)، فسارعوا إلى الرجوع إلى مكة، وعندما دنوا منها، ولم يبن بينهم وبينها إلا ساعة من نهار، عرفوا أن الخبر مفترى، وأن قريشاً في أشد ما يكون من عداوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والكيد لأصحابه، ويظهر أن شدة شوقهم إلى وطنهم، وإلى صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولقاء من تركوهم خلفهم من إخوانهم، هي التي جعلتهم يتعلقون بذلك الخبر المفترى قبل أن يتثبتوا.

وعندما عرفوا أن أذى المشركين للمؤمنين ما زال بحاله، بل صار إلى ما هو أشد، انقلب فريق راجعين إلى الحبشة، ودخل آخرون مكة في خفاء، أو معتصمين بجوار (٢)، وممن دخل مكة في الداخلين بجوار: أبو سلمة (٣)، وزوجه أم سلمة، ولما اشتد به أذى قريش، وبلغه أن بعض الأنصار قد دخل في الإسلام، هاجر إلى المدينة قبل أن يهاجر إليها النبي - صلى الله عليه وسلم.

ولعلك تدرك الشدة التي وقع فيها من رجعوا على طريقهم ولم يدخلوا مكة؛ فإنهم جاؤوا على أمل أن يدخلوا مكة، ويلاقوا أولياءهم المتقين، ويقيموا في جوار بيت الله الحرام آمنين، فخاب أملهم فجاة، واضطروا بعد فوات هذا الأمل إلى معاناة أتعاب السفر عائدين إلى أرض غربة لا يدرون كم تكون مدة إقامتهم بها. ولكن الإيمان الصحيح يتبعه العزم الصادق،


(١) وقيل: بلغهم أنهم أسلموا.
(٢) كما دخل عثمان بن مظعون في جوار الوليد بن المغيرة، ثم نبذ إليه جواره، وقال: أرضى بجوار الله.
(٣) دخل بجوار أبي طالب بن عبد المطلب.