تعرف كلُّ قوة -وإن كانت مسلحة-: أن إرادة الأمة قلاع لا تفتح، وجيش لا ينهزم، فلا يكون منها إلا أن تخضع أمام سلطانها، وتعصي داعي الأهواء في مرضاتها، ولا يضطهد المستبد حقوق القوم إلا أن يفهم أن إحساسهم بها لا يزال معدوماً، أو أن شمل إرادتهم ما برح في تخاذل وشتات. وما مثل الأمم في أعمالها وقوة إرادتها، إلا مثل السهم يخترق الهواء، ويرسم خطاً يمتد على قدر قوة الوتر الذي يدفعه، ومتانة القوس التي ينفذ منها.
فالأفراد الذي جلسوا على خلافة عرش الخلافة بقوة مسلحة، وعاثوا فيها فساداً، لم يلاقوا من الأمة قوة إرادة، ولم تكن للأمة قوة إرادة؛ لأن شعورها بحقوقها لم يكن عاماً، ولا يكون الشعور بالحق عاماً لتقلص نور التربية والتعليم، أو لاختلاف طرقهما اختلافاً يجعل الأذواق وطرق التفكير تتفاوت تفاوتاً بعيداً.
* بحث في الخلافة والملك والقوة والعصبية:
قال المؤلف في (ص هـ ٢): "وما كان لأمير المؤمنين محمد الخامس سلطان تركيا أن يسكن اليوم يلدز لولا تلك الجيوش التي تحرس قصره".
وكتب معلقاً على هذا في أسفل الصحيفة ما نصه:"كتبنا ذلك يوم كانت الخلافة في تركيا، وكان الخليفة محمد الخامس".
لعل المؤلف كتب هذا الباب الثالث الذي هو في الخلافة من الوجهة الاجتماعية، قبل أن يؤلف الباب الأول الذي هو في تعريف الخلافة، والباب الثاني الذي هو في حكم الخلافة، فإنه ذكر في (ص ١١) من الباب الأول رسالة الخلافة التي نشرتها حكومة المجلس الكبير الوطني بأنقرة، وهي بالطبيعة متأخرة عن وفاة محمد الخامس، ونقل في (ص ١٦) عن كتاب "الخلافة"