أثيرت في الأيام الأخيرة بحوث حول نظام الحكم: كيف يكون؟ وعلى اْي وضع يقوم؟ والحق أن هذا الموضوع من الدقة والخطورة بحيث يصح أن يستأثر بشيء كبير من عناية الباحثين. وقد كانت فرصة طيبة تلك التي أتيحت لي في مساء أمس؛ إذ التقيت بفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر، وتحدثت إلى فضيلته في هذا الموضوع الحيوي، وكان الأستاذ الأكبر صريحاً على عادته، فتحدث إلي يقول:
تجتاز مصر في اْيامها التاريخية الحاضرة أعظم انقلاب اجتماعي مر بها منذ قرون؛ لأنه الانقلاب الوحيد الذي ينشد لمصر النظام؛ لتتمكن من الاستقرار عليه، والاستمرار فيه إلى الأبد.
ومما يلاحظ في هذا الموقف: أن التطورات الماضية لم تكن نتيجة طبيعية للوعي القومي، ولذلك كان الوطن يفاجأ بها مفاجأة، وكان نظام الحكم الذي يترتب على تلك المفاجآت يفرض على البلاد فرضاً، إما من استعمار قاهر، أو من مستبد متغلب. ولذلك قلما كان يلاحظ فيه حاجة الأمة واقتناعها، والأساليب التي ترتاح إليها، وتعتبرها منتزعة من روحها وذوقها، ومن المبادئ
(١) مجلة "الأزهر" الجزء السادس -المجلد الرابع والعشرون- غرة جمادى الثانية - ١٣٧٢ هـ = فبراير شباط ١٩٥٣ م.