الحديث، الذين هم أعرف بنقد الأخبار، وأهدى إلى الحقائق من مؤرخين كثيرين يجمعون إلى الرشد سفهاً، وإلى الجد لهواً ولعباً، فأمثال هذه القصص التي تجدها في كتب أهل الخلاعة، أو من عرفوا بنزعة التشيع إلى قبيل، لا تجدها في كتب من زاولوا نقد الآثار، وأسقطوا من حسابها زوراً كثيراً.
اقرأ سيرة عثمان -مثلاً- في "تاريخ ابن جرير الطبري"، أو مؤلفات أبي بكر بن العربي مثل:"العواصم والقواصم"، و"عارضة الأحوذي"، اقرأها في أمثال هذه الكتب، فإنك تنصرف عنها برأي أخف وأهون من الرأي الذي يحدثك به هذا الذي يتبع أذناب الروايات الواهية أو المصنوعة، وتقع يده على رجس غير قليل.
* العصبية في عهد معاوية ويزيد:
قال المؤلف في (ص ٥٥): "في ذلك الوقت تغيرت خطة الخليفة السياسية، أو بعبارة أدق: فشلت هذه الخطة التي كان يختطها عمر، وهي منع العرب أن يتذاكروا ما كان بينهم من الضغائن في الإسلام. وعاد العرب إلى شرّ مما كانوا فيه في جاهليتهم من التنافس والتفاخر في جميع الأمصار الإِسلامية، ويكفي أن أقص عليك ما كان من تنافس الشعراء من الأمصار وغيرهم عند معاوية، ويزيد بن معاوية؛ لتعلم إلى أي حد عاد العرب في ذلك الوقت إلى عصبيتهم القديمة".
رفعت العصبية رأسها في أيام معاوية، واستوت جالسة، أو انتصبت قائمة لعهد ابنه يزيد، وعاد كثير من العرب إلى بعض الشرّ الذي كانوا فيه في جاهليتهم، وهو التفاخر بالأنساب، والنظر إلى ذوي القربى بغير العين