للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا هو الذي يوجد في عهد النبوة، وفي عهد أبي بكر، وعمر، وعثمان، أما التحيز للقومية بمعنى نصرة العشيرة وإن كانت ظالمة، والحرص على نفعها وإن جرّ غيرها إلى أذى، فلا أحسب أحداً يستطيع أن يرمي به الأمة في عهد الخلفاء الثلاثة.

قد توجد حمية الجاهلية في أفراد قليلة، كما يوجد النفاق والإلحاد، ولكن الإخاء والائتلاف السائد يغمر هذه الحمية الشاذة، ويمنع المؤرخ من أن يجعلها طورًا من أطوار الأمة، وكذلك فعل الفيلسوف ابن خلدون في "تاريخه" (١) حين قال: "كان لبني عبد مناف في قريش جُمل من العدد والشرف لا يناهضهم فيها أحد من سائر بطون قريش، وكان فخذاهم بنو أمية وبنو هاشم، إلا أن بني أمية كانوا أكثر عدداً من بني هاشم، وأوفر رجالاً، والعزة إنما هي بالكثرة، ولما جاء الإسلام، دهش الناس لما وقع من أمر النبوة والوحي، ونسي العصبية مسلمهم وكافرهم، أما المسلمون، فنهاهم الإسلام عن أمر الجاهلية، وأما المشركون، فشغلهم ذلك الأمر العظيم عن شأن العصائب، وذهلوا عنها حينًا من الدهر إلى أن ملك معاوية، واتفقت الجماعة على بيعته عندما نسي الناس شأن النبوة والخوارق، ورجعوا إلى أمر العصبية والتغالب، وتعين بنو أمية للغلب على مضر وسائر العرب".

فمن ينظر إلى تاريخ المسلمين لعهد الخليفة الثالث من الطرق الموثوق بها، يجد العصبية مغلوبة على أمرها، ويكاد التحيز إلى القبيلة لا يتجاوز حدوده المشروعة، ويتفقه في هذا من درس سيرة ذلك العهد في كتب علماء


(١) (ج ٣ ص ٢) ببعض اختصار.