السلام - بمكة، دخل فيما دخل فيه الناس، وهو يرجو أن ينتقل هذا السلطان من الأنصار إلى قريش، لناع للمؤلف هذا الاستنباط، ولا نحرجه بالسؤال عن الطريق الذي ألهمه: أن أبا سفيان أسلم على رجاء أن يعود السلطان السياسي إلى قريش مرة أخرى، وأنه لولا هذا الرجاء، لما آثر المصالحة والمصانعة على المضي في المقاومة؛ فإن لمثل المؤلف هواتف لا تحوم على خاطر الذي يستقبل البحث خالي الذهن من كل ما قيل فيه. وإنما نريد أن نبحث عن مبلغ العصبية في عهد عثمان - رضي الله عنه -، فالذي يظهر أن المؤلف اشتد في الحديث عنها أكثر من اشتدادها.
ميل الرجل إلى قومه وعشيرته أمر مغروز في الطبيعة؛ كحبه أباه وابنه وأخاه، وهي فطرة لا يمكن اقتلاعها من نفوس البشر ما داموا بشراً، بل لا ينبغي العمل على محوها؛ لأنها من أقوى وسائل العمران، وأشد البواعث على التعاون والتناصر، ولكنها قد تزيغ وتطغى، فتنقلب وسيلة دمار، وداعية تخاذل وتقاطع، وهذه الطبيعة الزائغة الطاغية هي التي حمل عليها الإسلام، وقعد لها كل مرصد، وأنفق في تقويمها قسطاً وافرًا من حكمه الرائعة، ومواعظه الحسنة.
يحث الإسلام على إيثار العشيرة بخير لا يعود على غيرهم بشرّ، ويأذن بنصرتهم حين يسامون ضيمًا، أو يجاهدون في سبيل حق، والذي يكرهه، ويريد تطهير الصدور من خبثه: أن يعمل الرجل على نفع رهطه، ولو ألقى برهط غيره في شقاء، وأن يقف في صفوفهم، أو يغمض الطرف ولو أبصرهم يرمون حبات القلوب البريئة بالسهام النافذة، أو الكلمات اللاسعة.
والتحيز للعشيرة بالمعنى الأول مأذون فيه شرعاً، ومرضي عنه عقلاً،