وقفنا للانصراف، قام ذلك الشيخ، وناجى رفيقي مستكشفاً عن أثري، فأعطاه خبره، فأقبل عليّ مسلماً، وقال لي: كنت أصغي إلى حديثكما، فراقني بساط المحادثة، فهممت أن أدنو منكما، ولكني خشيت أن لا يقع دخولي في بساط حديثكما موقع الارتياح لديكما، حيث لم يسبق رابط التعارف، ثم عقد موعداً على زيارتنا مساء بعد أن عرفني رفيقي بأنه الشيخ عرفات المصري أحد المعلمين بمدرسة في رأس بيروت.
* بين الاستبداد والعدل:
دعيت للحضور بحفلة في إحدى المدارس لتفريق الشهادات على التلامذة، وكان رفيقاي في الذهاب والحضور: الشيخ عرفات، والسيد إبراهيم المستنطق بالعدلية، ولم يقع في هذا الاحتفال سوى أن شخَّص التلامذة رواية تضرب المثل لرذيلة الاستبداد المطلق، وفضيلة العدل، وقد ضحك الحاضرون لكل من الدورين، ففكرت في سر انبساطهم لتمثيل الاضطهاد والتعسف، وشأن النفوس الحرة أن تقطب لمنظرها الفظيع، فلاح لي في وجه ذلك: أنهم قد تصوروا من خاتمة الرواية انقلاب ذلك المشهد التعيس إلى نظام وعدالة، وكذلك الرجل يشاهد الباطل يعبث في مجمع من مجامع الحقيقة، وقد بصر يناصر الحق حين التفت إليه، وتأهب لدرئه عن مكان الجد، فإنه ينبسط ضاحكاً مما سيدحض هذا الباطل، حتى يستفيض من سكرة المتصابي، أو غشية المختبل.
كنت أمرّ في مناهج البلد، ومما أراه مرسوماً على بعض جدرانها لفظ:"إلى العلم"، ودخلت إلى جامع قرب محل الحكومة، فرأيت معلقة بإزاء محرابه كتب فيها بخط متسع:"اطلبوا العلم".