ثالثها: عقوبة المتعدي بغير السرقة والحرابة؛ كالغاصب، وأمر تشخيصها وتحديدها موكول إلى ذكاء القاضي وعدالته، يجتهد فيها رأيه، ويقدّرها على حسب الجناية.
رابعها: عقوبة المتلف لمال غيره، وهي تغريمه المثل أو القيمة، والعقوبة بالمال في غير هذه الجناية وقع النزاع في حكمها بين علماء تونس في سنة ٨٢٨ هـ، فأفتوا بالمنع، وانفرد عنهم الشيخ البرزلي، فأفتى في ذلك بالجواز، وجعلها من قبيل المصالح المرسلة، وقال: إذا لم يمكن ردع الجناة إلا بالمال، ردعوا بالمال، وألّف في ذلك تأليفاً فيه نحو أربعة أوراق، وخالفه جميع من حضر في ذلك الوقت، وألزموه محالفة الإجماع.
وروي أن مروان بن عبد الحكم أخذ رجلاً راود امرأة على نفسها، وقبّلها، وكشفها، فسجنه ولم يطلقه إلا بعد أن فداه أبوه بألف، فأنكر الإمام مالك على مروان فعله؛ لأنه لا يرى القضاء بالعقوبة بالمال، وهذه مسألة عظيمة تستدعي بسطاً واستدلالاً لا يسعها هذا المقام.
* الحرية في الأعراض:
يريد كل امرئ أومضت فيه بارقة من العقل أن يكون عرضه محل الثناء والتمجيد، وحرماً مصوناً لا يرتع حوله اللامزون، وهاته الإرادة هي التي تبعثه على أن يبدد فريقاً من ماله في حل عقال ألسنة لتكسوه من نسج آدابها حلة المديح، أو يسد به أفواهاً يخشى أن تصب عليه من مرائر أحدوثتها علقماً، قال بعضهم:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه ... لا بارك الله بعد العرض في المال