البحث في الرأي أو الرواية دأب كل عالم نقّاد، وما البحث إلا أثر الشك في صحة الرأي، أو صدق الرواية، والشك قد يكون ذريعة للعلم، وقد ينحدر بصاحبه في جهالة، وربما تلجلج فيه القلب، فلا يجد متقدماً عنه ولا متأخراً. والأول محمود العاقبة، والثاني والثالث لا خير فيهما، والأنواع الثلاثة حرج في الصدر، وعنت للضمير، وهيهات أن تجد النفوس في واحد منها لذة؛ إذ لا لذة إلا في اعتناق الحكمة.
قد نغمض للمؤلف في زعمه أن في الشك لذة؛ أو نحمل كلمته على أنها ضرب من الشعر؛ فقد يعمد الخيال إلى معنى يختص بحقيقة، وينقله إلى بعض وسائلها. ولا نكتمه أننا منذ الآن لا نعدّه في أنصار الجديد؛ لأن هذه النعوت التي شرح بها حالهم لا تنطبق على سيرته في البحث، فأنصار الجديد لا يكادون يمضون إلا في أناة ورَيْث، وهو لا يكاد يمضي إلا في عجل واندفاع، كأنه لا يحس بأن الطريق أمامه معوجة ملتوية ذات عقبات لا تكاد تحصى، وأنصار الجديد لا يأخذون أنفسهم بإيمان ولا اطمئنان، وهو لا يعثر في رواية تخدش سيرة رجل من عظماء الشرق، أو ترمي أحداً بزيغ العقيدة، إلا قبض عليها بكلتا يديه، وآمن بها إيماناً جامداً، ولو رواها مسيلمة عن فاختة!.
* الشك .. خفته وشدته:
قال المؤلف في (ص ٥): "هم لا يطمئنون إلى ما قال القدماء، وإنما يلقونه بالتحفظ والشك، ولعل أشد ما يملكهم الشك حين يجدون من القدماء ثقة واطمئناناً".