للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع هذا العمل المطهِّر لوجه الأرض من نجس الشرك والعادات القاتلة للفضيلة، يعقد المعاهدات والمخالفات بينه ويين الأقوام المخالفين؛ حيث جنحوا إلى السلم، وأخذوا على أنفسهم أن لا يظاهروا عليه عدواً، وكان يفي بشرطهم، ويحترم عهدهم حتى تبدو منهم الخيانة، ويمدوا أيديهم إلى مساعدة أعدائه المحاريين. قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: ٦١]، وقال: {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: ٤].

* الجزية:

وما برح - صلى الله عليه وسلم - يقاتل محاربيه على مقتضى العدل والحزم إلى السنة الثامنة أو التاسعة من الهجرة (١)، فشرعت وقتئذٍ الجزية، ونزلت آية: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩]، فكان - عليه الصلاة والسلام - يقبل من أهل الكتاب الجزية، ويقرّهم في أمن على نفوسهم وأموالهم، وحرية من إقامة شعائر دينهم، وقبل الجزية من المجوس أيضاً، وقال: "سُنّوا بهم سنّة أهل الكتاب" (٢).

ومن أهل العلم من وقف في قبول الجزية عند حد ما ورد في الكتاب والسنّة، ومنهم من ذهب إلى أنها تقبل من كل مخالف، أياً كانت نحلته.

قال القاضي أَبو بكر بن العربي في "عارضة الأحوذي": "قال ابن القاسم


(١) اختلف في مشروعية الجزية، فقيل: في سنة ثمان، وقيل: في سنة تسع "فتح الباري" (ج ٦ ص ١٦١).
(٢) "الموطأ".