يحيلنا المؤلف على كتابه "حديث الأربعاء"، فإذا هو يلعن منهج (ديكارت)، ويمثل بالأدب والتاريخ تمثيل من يعتقد أن الأسماع في صمم، وأن العيون في سبات، وأن الأقلام والأنامل لا يلتقيان. ولولا أن في نشئنا الطيب من يقرؤه قبل أن يدرس التاريخ الصحيح، لقلنا للكتّاب: اضربوا عن نقده صفحاً؛ فإن انكشاف أمره في قراءته.
ندع حديث الأربعاء إلى أجل قريب، ولكل أجل كتاب، ونكتفي بأن نقول لك: إن في الرواة أصحاب لهو ومجون، وفي الرواة أصحاب جد ومروءة، وفي الكتاب باحث بأناة، وفي الكتاب باحث بداعية هوى، والهوى يستولي على فؤاد الرجل، كالزجاجة الفاحمة يضعها على بصره، فيرى الأشياء كلها في لون قاتم.
* حمّاد الراوية، وخلف الأحمر:
قال المؤلف في (ص ١١٩): "فلست أذكر هنا إلا اثنين، إذا ذكرتهما، فقد ذكرت الرواية كلها، والرواة جميعاً: فاما أحدهما، فحمّاد الراوية. وأما الآخر، فخلف الأحمر".
لم يكن حمّاد وخلف مرجع الرواية كلها، ولا أن الطعن فيهما طعن في الرواية جميعاً، فقد كان في عهدهما من رواة الشعر من لم يأخذ عنهما؛ كأبي عمرو بن العلاء، والمفضل بن محمد الضبي، وكلاهما ممن أخذ عنه الكوفيون والبصريون. قال أبو منصور الأزهري في مقدمة "تهذيبه" يصف أبا عمرو بن العلاء: "أخذ عنه البصريون والكوفيون من الأئمة الذين صنفوا الكتب في اللغات، وعلم القرآن، والقراءات، وكان أعلم الناس بألفاظ العرب، ونوادر كلامهم، وفصيح أشعارهم".