قال المؤلف في (ص ٢٩): "وإذا كان في هذه الحياة الدنيا شيء يدفع المرء إلى الاستبداد والظلم، ويسهل عليه العدوان والبغي، فذلك هو مقام الخلافة، وقد رأيت أنه أشهى ما تتعلق به النفوس، وأهم ما تغار عليه. وإذا اجتمع الحب البالغ، والغيرة الشديدة، وأمدتهما القوة الغالبة، فلا شيء إلا العسف، ولا حكم إلا السيف".
الظلم والاستبداد ينشآن عن علتين:
أولاهما: أن يحمل الحاكم بين جنبيه أهواء غالبة، ونفساً غير زاكية.
وثانيتهما: جهل الأمة وتخاذلها؛ بحيث لا يتحد زعماؤها على تقويمه بالتي هي أحكم وأقطع لدابر الاستبداد.
وقد بنيت الخلافة بحق على ما يُتوقى به من هاتين العلتين الفاقرتين، فجاء في شروط الخليفة: أن يكون عالماً عادلاً، وجاء في واجبات الأمة: أن تشاركه في الرأي، وتقوم على مراقبته وحمله على طريق العدل بالوسائل الكافية.
فإن وقع من الخليفة استبداد أو عدوان، فالتبعة ملقاة على عنق الأمة، لا على مشروع الخلافة.
ولو كان مقام الخلافة يحمل بطبيعته على الاستبداد والبغي، لم ترفع العدالة رأسها، ولم تنشط الحرية من عقالها يوم جلس عليه الخلفاء الراشدون ومن حذا حذوهم؛ كعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -.
* إبطال دعوى المؤلف: أن ملوك الإسلام يضغطون على حرية العلم:
قال المؤلف في (ص ٣٠): "ومن هنا نشأ الضغط الملوكي على حرية العلم، واستبداد الملوك بمعاهد التعليم".