الحل والعقد فيها اختيار، غير جار على نواميس العقل، ولا موافق لما أرشد إليه الدين، وكذلك الدين والعقل السليم لا يختلفان في حكم.
أما استناد الخلافة بقوة الجند والسلاح بعد قيامها على قاعدة اختيار الأمة، فأمر ينطبق على قوانين العقل بغير تردد، وحق تهدي إليه الشريعة بحثّ وتأكيد؛ فإن القصد من إقامة السلطان كفّ الأيدي العادية على الحقوق، فوجب إعداد القوة من جند وسلاح لمكافحة الأعداء والبغاة، وحماية حرم الشريعة من أن تعبث بها يد آثمة، أو نفس ماردة.
وعلى الأمة اليقظة أن تتخذ من التدابير ما يمكنها من مشاركة الخليفة في تصريف هذه القوة المسلحة، حتى إذا خاب ظنها فيه، وأخذه الاستبداد بالإثم، وجدت الطريق إلى اتقاء بأسه وكف يده أمراً ميسوراً.
قال المؤلف في (ص ٢٨): "لا معنى لقيام الخلافة على القوة والقهر، إلا إرصادهما لمن يخرج على مقام الخلافة، أو يعتدي عليه، وإعداد السيف لمن يمس بسوء ذلك العرش، ويعمل على زلزلة قوائمه".
لا بد للخلافة من أن تتقلد سيفاً وترتدي بإرهاب؛ "لتتقي خطر عدو هاجم أو متحفز، وتقمع شر من يثير فتنة يضطرب لها نظام الأمن والسلام، وقد أتى عليها حين من الدهر وهي لا تنتضي حسامها، ولا تلمع بإنذارها ووعيدها إلا في وجه عدو يتربص بالمؤمنين الدوائر، أو ثائر عصفت به ريح الأهواء، وما له في أولي الألباب من ولي ولا عاذر، وأدركها زمن بعدت فيه عن حقيقتها، فخلطت عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وربما كان إثمها في بعض الأحيان أكبر من نفعها، وليس إصلاح شأنها وإعادتها إلى سيرتها المثلى ممن يغارون على مصلحة الشرق واتحاد شعوبه ببعيد.