فمن الجائز القريب أن يوجد في رواة الأدب من يعاقب هذا الذي يقال له: الكذب، ويأبى أن يضع شيئاً منه على طرف لسانه، ولعلنا نريك أن هذا الجائز القريب كان أمراً واقعاً.
* حديث الأربعاء:
قال المؤلف في (ص ١١٨): "ولعل أهم هذه المؤثرات التي عبثت بالأدب العربي، وجعلت حظه من الهزل عظيماً: مجون الرواة، وإسرافهم في اللهو والعبث، وانصرافهم عن أصول الدين وقواعد الأخلاق إلى ما يأباه الدين، وتنكره الأخلاق، ولعلي لا أحتاج بعد الذي كتبته مفصلاً في الجزء الأول من "حديث الأربعاء" إلى أن أطيل في وصف ما كان فيه هؤلاء الناس من اللهو والمجون".
ينزع المؤلف في يوم الأربعاء، وفي غير يوم الأربعاء إلى أن يتحدث عن المتهتكين، ويكثر سوادهم، فإذا كان في أمة من الناس نفر خاضوا في فجور، أحبّ أن يريك الأمة كلها فاسقة ماجنة.
نعلم أن المبالغة فن من فنون البلاغة، ونعلم أنها لا تكون مقبولة إلا أن يشعرك صاحبها بأنها مبالغة، أما إذا ألقاها عليك في صورة الحقيقة المحضة، فإنها تسمى باسم ما لا يلتقي مع الصدق على لسان.
يحدثك المؤلف عن الرواة في هيئة الباحث الذي لا يطوي صدره على شيء، فيقسمهم شطرين: شطر يندفع للكذب بما تتأثر به العرب، وشطر يندفع له بما تتأثر به الموالي، ثم يأتي بعبارة تتناول الفريقين، ويصفهم بالمجون والانصراف عن الدين وقواعد الأخلاق.