العامة. وهم على تأثرهم بهذه الأسباب العامة متأثرون بأشياء أخرى هي التي أريد أن أقف عندها وقفات قصيرة".
عرف القراء الأسباب التي يومئ إليها المؤلف، وهي ما كان بصدد الحديث عنه من دواع سياسية ودينية، وقصصية وشعوبية، وقد زعم هنا أن أمر الرواة دائر على هذه الأسباب، فما من راو إلا وهو متأثر بشيء منها؛ لأنه يقول: هم بين اثنتين: إما أن يتأثروا بما تتأثر به العرب، وإما أن يتأثروا بما تتأثر به الموالي، ويريد من التأثر -بطبيعة السياق-: الوجه الذي يحمل على صنع الشعر، وعزْوِه إلى الجاهلية، ومعنى هذا: نفي أن يكون لطائفة من الرواة خطة ثالثة، وهي ألا يتأثروا بشيء من هذه الأسباب تأثراً يستهينون معه بموبقة الافتراء على الناس كذباً، وهذه مبالغة لا تأويل لها إلا أن المؤلف يحب أن يكون هذا الشعر الجاهلي منحولاً، ويحاول أن يسد عليك كل طريق تخرق بها هذه النظرية، وتظن أن يكون هذا الشعر من الجاهلية في شيء.
نحن نعلم أن قسماً عظيماً من أهل العلم لم يتأثروا بالدين هذا التأثر الذي يجعل وزر الكذب أمراً هينا، ومن هذا القبيل أولىك الرواة الذين ينقدون ما يضاف إلى مقام النبوة، وقد ينفونه من الحديث، ولو اشتمل على شيء من الحكمة أو الموعظة أو المعجزة، ونعلم أن قسماً عظيماً يطلبون العلم لفضيلته، ولا تلين قناتهم لأن يتصرفوا في الحقيقة، ولو جلبت عليهم السياسة بخيلها ورجلها، أو وضعت في أيمانهم الصفراء، وفي شمائلهم البيضاء. ونعلم أن في الموالي من ينشأ على آداب راقية، فلا يجد في صدره حاجة مما أوتي العرب من مجد أو سعادة، فضلاً عن أن يستخف وزر الكذب،