عقائده وتكاليفه برغبة حريصة، واختيار من تلقاء أنفسهم.
وأحياناً تستند تلك السلطة إلى هيئة حكومة، كما مرَّ في الأزمنة الغابرة على أقوام مثل الجرمان، وهم على حالة قبائل بدوية، وحكومة كل منهم في قبضة رئيس يدير شؤونهم كيف يريد، ويسخّرهم كما تسخَّر الأنعام إلى حيث تشاء أغراضه الذاتية، ولما امتدت ولاية الرومانيين على كثير من أوروبا، ضمت تحت جوانحها أولئك الطوائف، فازداد خناق الاستعباد في أعناقهم ضيقاً وارتباطاً، ومن أثر ذلك: أن الحكومة لم تساو بينهم وبين أبناء جنسها فيما تمنحهم من الحقوق والامتيازات، إلى أن عانقوا الديانة المسيحية بواسطة انتشارها بين الرومانيين.
فالأمة التي بليت بأفراد متوحشة تجوس خلالها، أو حكومة جائرة تسوقها بسوط الاستبداد، وهي الأمة التي نصفها بصفة الاستعباد، وننفي عنها لقب الحرية.
* الحرية:
تنبئ هذه الكلمة بسائر تصاريفها في اللسان العربي على معان فاضلة ترجع إلى معنى الخلوص، يقال: حرَّ يَحَرُّ، كظلَّ يظل، حَراراً - بالفتح - بمعنى: عتق، والاسم: الحرية، والحرّ: خلاف العبد، والخيار من كل شيء، والفرس العتيق، والفعل الحسن، والحر من الطين والرمل: الطيب، والحُرّة ضد الأمة، والحرة من السحاب: الكثيرة المطر، وتطلق على الكريمة من النساء، ووردت صفة للنفس في كثير من أشعارهم. قال سحيم عبد بني الحسحاس:
إن كنتُ عبداً فنفسي حرةٌ كرماً ... أو أسودَ اللون إني أبيض الخُلُق