وجاء لمعنى استقلال الإرادة، وعدم الخضوع لسلطان الهوى:
وترانا يوم الكريهة أحرا ... راً وفي السلم للغواني عبيدا
وعليه بني الصوفية اصطلاحهم في إطلاق اسم الحر على من خلع عن نفسه إمارة الشهوات، ومرق سلطتها بسيوف المخالفة كل ممزق. قال الإمام الجنيد فيما روي عنه: لو صحت الصلاة بغير القرآن، لصحت بقول الشاعر:
أتمنَّى على الزمان محالاً ... أن ترى مقلتاي طلعة حرِّ
وقد دارت هذه الكلمة، كلمة الحرية، على أفواه الخطباء، ولهجت بها أقلام الكاتبين، ينشدون ضالتها عند أبواب الحكومات، ويقفون للبحث عن مكانها، وتمكين الراحة من مصافحتها، وقوفَ شحيح ضاع في الترب خاتمه.
ينصرف هذا اللقب الشريف في مجاري خطابنا اليوم إلى معنى يقارب معنى استقلال الإرادة، ويشابه معنى العتق الذي هو فكُّ الرقبة من الاسترقاق، وهو أن تعيش الأمة عيشة راضية تحت ظل ثابت من الأمن وعلى قرار مكين من الاطمئنان، ومن لوازم ذلك: أن يعين لكل واحد من أفرادها حد لا يتجاوزه، وتقرر له حقوق لا تعوقه عن استيفائها يد غالبة؛ فإنّ في تعدي الإنسان الحدَّ الذي قضت عليه أصول الاجتماع بالوقوف عنده ضرباً من الإفراط، ويقابله في الطرف الآخر حرمانه من التمتع بحقوقه؛ ليستأثر غيره بمنفعتها، وكلا الطرفين شعبة من شعب الرذائل، والحرية وسط بينهما على ما هي العادة في سائر الفضائل، ومن كشف عن حقيقتها المفصلة ستار الإجمال، أشرف على أربع خصال مندمجة في ضمنها: