ذكر بعض أهل العلم أن قيام الواحد بفريضة الدعوة كافٍ، واستشهدوا بقوله تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة: ١٢٢]. وقالوافي وجه الاستشهاد: إن الطائفة في لسان العرب: الواحد فما فوقه. وهذا القول مستقيم بالنظر إلى إبلاع الأمر والنهي، ووضع الحق بين أيدي الغافلين عنه. أما من حيث فعل الدعوة في النفوس، ودخولها مدخل الإقناع، فمن البيّن بنفسه أن للدعوة التي تقوم بها الجماعة أثراً لا تبلغه دعوة الفرد، وربما كان النظر في هذا يرجع إلى حال المدعوين، أو حال ما تتعلق به الدعوة، أو ما يقصد من الدعوة.
أما النظر إلى حال المدعوين، فقد يغني العدد القليل في دعوة جماعة تتقارب مشاربهم، وتتشابه أحوالهم النفسية، أما إذا اختلفت مشاربهم، وتعمَّدت نزعاتهم، فلكثرة القائمين بالدعوة، وتظاهرهم عليها وقعٌ في نفوسهم، وأخذٌ لها من بين تلك النزعات المتباينة، والمسالك المتشعبة؛ فإن الدعاة إذا تعمَّدوا، اختلفت أساليبهم في الدعوة غالباً، وقد يبدو للداعي من وجوه تحسين الأمر أو التنفير منه ما لا يخطر على بال آخر، وإن كان أغزر علماً، وأوسع نظراً، وقد تخضع النفس لأسلوب دون أسلوب، وتهتدي بطرز من الجدل أو الموعظة أكثر مما تهتدي بغيره، ولو كان أقرب دلالة بحكم المنطق، وأوضح إنتاجاً.