وأما حال ما تتعلق به الدعوة، فإن الإرشاد إلى أحكام الدين العملية - مثلاً - أيسر من إصلاح العقائد ووضع الإيمان موضع الجحود بالله، فداعي المطمئنين بالإيمان إلى مثل الأحكام العملية إنما يتلو قرآناً أو حديثاً، أو نصوصَ من يُقتدَى باجتهادهم، والداعي إلى الإيمان يقصد إلى نقل النفوس من ملة إلى ملة، وتحويلُ النفوس من عقيدة إلى أخرى يبلغ من الصعوبة أن يحتاج دعاته إلى من يشد أزرهم في إبلاغ الحجة، أو مطاردة الشبهة، وكذلك سأل موسى - عليه السلام - ريه أن يجعل أخاه هارون شريكًا له في الرسالة، فقال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: ٢٩ - ٣٢]. وبَعث عيسى - عليه السلام - إلى أهل أنطاكية برجلين اثنين؛ ليدعواهم إلى الإيمان، فقابلوهما بعناد وتكذيب، فأضاف إليهما ثالثاً يؤيد بعثتهما، قال تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} [يس: ١٣، ١٤].
وأما حال ما يقصد من الدعوة، فإنك ترى رجالاً انحرفت عن أدب الإسلام قلوبهم، وساعدتهم الأيام على أن أصبحوا يسيطرون على بعض شعوبه، ويفسدون عليهم دنياهم وآخرتهم، فيعتدون على أحكام دينهم، ويناصرون الأشخاص الذين يملؤون أفواههم بالجهل على رسوله الاكرم. فإذا كان أولئك المنحرفون عن أدب الإسلام ممن لا يُقبِلون على الحق بعين باصرة، أولا ينقادون إلى الحقائق المبصَرة، فمن المحتمل ألا يراد من دعوتهم إصلاح نفوسهم، وإنما يراد منها صرفهم عن هذه السيرة الخرقاء، وإراءتهم أن الأمة التي تتقلد الإسلام شريعة لا تستطيع أن تبقى أمامَ تعسفهم هذا معقودة الألسنة، أو مقبوضة الأيدي. فالذين يرضون عن عبث هذه الأرواح