في يوم ١٢ مايو ١٩٤٨ م يكون قد مرّ على احتلال فرنسا للبلاد التونسية ٦٧ عاماً. ولقد رأينا لهذه المناسبة والذكرى المؤلمة التي تعيد لأذهاننا تلك الظروف السوداء التي فقدنا فيها استقلالنا كدولة، وحريتنا وكرامتنا كأمة، أن نقدم للعالم صورة مصغرة للاستعمار الفرنسي في هذه البلاد، التي فرضت عليها فرنسا حمايتها بالقوة المسلحة، وقضت على استقلالها بالحديد والنار، وانتزعت من الشعب التونسي وحكومته كل سلطة له في بلاده، ومنصب للحكم، ومصدر للنفوذ، كما اغتصبت منه موارد الثروة، وأقفلت في وجهه سبل الحضارة والرقي، ومنعته من الاستنارة بنور العلم والمدنية، وأسلمته للفقر والمرض والجهل والجوع، وقرنت حياته كلها بالعسف والنكال، وتلك هي رسالة الاستعمار في العالم منذ نشأ وإلى الآن، كيفما كان مأتاه وجنس القائمين عليه، وإذا اختلف، فإنما يختلف في الوسيلة والأسلوب، لا في الغاية التي يدفع إليها بالمستضعفين.
فلونٌ من الاستعمار يرمي إلى الإبقاء على عبيده واستغلالهم، واستثمار
(١) نثرت هذه المذكرة كمقدمة في رسالة صغيرة الحجم تحت عنوان: "تونس ٦٧ عاماً تحت الاحتلال الفرنساوي" ١٨٨١ - ١٩٤٨ م ". صدرت عن مكتب الدعاية والنشر للجبهة - المركز العام: شارع مجلس النواب ٢٩ القاهرة.