المعنى، أو تصحيح وجه الإعراب الذي يختارونه في التأويل.
* عناية المسلمين بالشعر:
قال المؤلف في (ص ١٨٣): "وهم لم يحفلوا برواية الشعر، ولم يحتاطوا فيها، بل انصرفوا عنها طائعين أو كارهين، ولم يراجعوها إلا بعد فترة من الدهر، وبعد أن عبث النسيان والزمان بما كان قد حفظ من شعر العرب في غير كتابة ولا تدوين".
للعرب شغف بنظم الشعر وروايته، ولم يكن لديهم من العلوم ما يشغل قرائحهم عن نظمه، ولا أذهانهم عن حفظه، إلا حين طلع عليهم الإسلام، فأقبل أقوام منهم على التفقة في الدين، وحفظ القرآن ورواية الحديث. ثم إن الأمة العربية تهيأت لأن تبسط شعاع هذه الهداية في مشارق الأرض ومغاربها، فتدفقوا ولا قوة لهم إلا إيمان يتلألأ في قلوبهم، وإلا حكمة تنير لهم السبيل أينما ذهبوا، ففتحوا البلاد، وجعلوا الأيام تلد كارهة أو طائعة من بدائع الإصلاح ما لم تتمخّض به الدنيا في عهد اليونان أو الرومان.
نحن نعلم هذا كله، ومن الغلط أو المغالطة أن نعد هذه النهضة الخطيرة ماحية للشعر الجاهلي من ألسنتهم، نازعة له من قلوبهم، وإنما شأنها أن تخفف من عنايتهم به، وتصرف هؤلاء المجاهدين في كثير من الأوقات عن إنشاده وروأيته، ومن البديهي أن الأمة لم تكن لذلك العهد كلها مجاهدة، بل كان فيها الأعمى والأعرج والمريض، والمرأة، والمعذرون من الأعراب، ولا يستطيع المؤلف أن يقيم الشاهد على أن هذه الأصناف من الناس انصرفت عن الشعر جملة، بل لا يستطيع أن يقيم الشاهد على أن أولئك المجاهدين انصرفوا عنه الانصراف الذي يخول للمؤلف أن يقول: إن هذا الشعر الجاهلي