للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشجاعة قد أشربت في نفوسهم، فلا تتأخر عنهم في موطن، ولا تغيب عنهم في حال، وعزز هذا البيت بقوله:

تلاقوهم فتعرفوا كيف صبرهم ... على ما جنت فيهم يد الحدثان

ليدل على أن خلق الصبر فيهم وثيق العرا، واسع المدى، وليسوا ممن يزفون إلى الحروب زفيف النعام، حتى إذا طال عليهم أمدها، وكثر ما لا قوه من مكارهها، ضجروا من صحبتها، ومالوا بالسيوف إلى أغمادها. وفي الناس أولو شجاعة، ولكن شجاعتهم لا تتجاوز بهم أن يبسطوا أيديهم على قدر ما تناله سيوفهم أو رماحهم، فقصد الشاعر إلى أن يدل على أن قومه ليسوا من هذا المصنف، فقال:

إذا استنجِدوا لم يسألوا من دعاهم ... لأية حرب أم بأي مكان

فأخبر أنهم كالجند، متأهبون للخوض في غمار الحروب، ولا يزيدون على أن يسمعوا نداء من يستنجدهم، فيطيروا إلى ما يناديهم له، غير سائلين عن سبب الحرب، أحق هو أم باطل، ولا عن مكانها أقريب هو أم بعيد.

* تأثير الإسلام في اللغة:

طلع الإسلام على العرب وفي هدايته من المعاني ما لم يكونوا يعلمون، بل في هدايته ما لم تفِ اللغة يومئذ بالدلالة عليه، فعبر عن هذه المعاني بألفاظ ازدادت بها اللغة نماء.

ومن الجلي أن القرآن الكريم والحديث النبوي قد سلكا في البلاغة مذاهب ينقطع دونها كل بليغ، ثم إن فتح الممالك الكبيرة؛ كبلاد الفرس والروم زاد مجال اللغة بسطة بما نقل إليها من المعاني العلمية أو المدنية، ففضْل الإسلام على اللغة العربية يظهر في غزارة مادتها، وبراعة أساليبها،