وإني لأدرك في مثل هذا الموطن دقة نظر إمام الحرمين حين قيل له: لم كان السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب على الفور بقوله: لأن فيه فراق الأحبة.
* الوصول إلى مالطة:
رست الباخرة على جزيرة "مالطة" عند مغرب يوم الجمعة، ولم نر من فائدة في نزولنا والليل قد ضرب أطنابه، قضينا ليلتنا على متن البحر، وانحدرنا صباحاً إلى المدينة التي هي مقر حكومتها، وتسمى:"فاليتا"(١)، فتجولنا في مناهجها المتناسقة، وشهدنا من خطاباتهم كيف تنحط العربية، وتندرس أطلال فصاحتها بين الأمة التي تجهل مكانتها، وتزهد في تعاليمها إلى أن تلتحم بأخلاط من لغة أخرى؛ فإن لغة أهل هذه الجزيرة عريية محرفة، وأكثر ما يتخللها قطع من اللغة الطليانية، وإنما انساقت إليها العربية حتى استولى عليها أبو الغرانيق محمد بن الأغلب سنة ٢٥٥ هـ.
ويشعرك بانتشار العربية وآدابها بينهم لذلك العهد: ما قصه المؤرخون من أن ملك مالطة صنع له بعض مهندسي بلده تمثال جارية يتعرف بها أوقات الصلاة، وكانت ترمي ببنادق على الصنج "قصاع الآبنوس!، فقال أبو القاسم ابن رمضان المالطي أحدُ شعرائها لعبد الله بن السمنطي المالطي، وكانت له براعة في صناعة الشعر: أجز هذا المصراع: