زعم المؤلف أن ذلك القول ينافي معنى الرسالة، ولا يتلاءم مع مقتضى طبيعة الدعوة، وهذا الزعم ينافي الواقع، ولا يتلاءم مع ما تقضي به طبيعة البحث المنطقي.
أما منافاته للواقع، فإن الله تعالى أمر رسوله بإبلاغ الناس قوله تعالى:{وَءَاتَوُاْ اَلزَّكوةَ}[التوبة: ١١]، وقال له:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة: ١٠٣]، وأما عدم ملاءمته لمقتضى البحث المنطقي، فإن التنافي يرادف التناقض، والمعنى: أن القول بأن الإسلام تبليغي وتطبيقي يقتضي نفي معنى الرسالة، ومعنى الرسالة يقتضي نفيه، وهذا الحكم غير صحيح؛ إذ لا يصح إلا إذا كان في معنى التبليغ والتنفيذ ما يجعلهما متنافيين، والمعقول أنهما ليسا بمتنافيين، ولا أن الجمع بينهما يعود بخلل عليهما، أو على أحدهما، وهل من عقل يشعر بتناقض في قولك لشخص: بلغ بني تميم أن يتعلموا المنطق حتماً، ومن رأيته يخرج في كلامه عن قانون المنطق، فقوّمه بالتي هي أحكم، حتى تحمله على طريقة التفكير الصحيح.
* وجه قيام التشريع على أصول عامة:
قال المؤلف في (ص ٥٧): "إذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أسس دولة سياسية، أو شرع في تأسيسها، فلماذا خلت دولته إذن من كثير من أركان الدولة ودعائم الحكم؟ ولماذا لم نعرف نظامه في تعيين القضاة والولاة؟ ولماذا لم يتحدث إلى رعيته في نظام الملك وفي قواعد الشورى؟ ولماذا ترك العلماء في حيرة واضطراب من أمر النظام الحكومي في زمنه؟ ولماذا ولماذا؟! نريد أن نعرف منشأ ذلك الذي يبدو للناظر كأنه إبهام، أو اضطراب،