للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العرب وغيرهم قبل أن يجيء الإسلام".

لا يرتاب مسلم في أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يتولّ فصل القضايا بين الناس من تلقاء نفسه، وإنما هو مَنْصِبٌ استمده بوحي سماوي، قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: ٤٩]، فناط بعهدته فصل القضايا، ثم وضع في أعناق الأمة فريضة التسليم لقضائه، فقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥].

فيمتاز قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القضاء الذي وجد عند العرب قبل الإسلام، بأن ولايته قامت على وحي يوحى، وأن التسليم له والاعتقاد بحكمته من شرائط الإيمان بالله.

فما ينبغي للمؤلف أن يقيس محكمة إلهية جاهلية، ويوحي إلى من يشاكله في ذوقه أن كليهما جارٍ على غير نظام؛ فإن وصفه لحال القضاء النبوي بالغموض والإبهام، ثم قوله: "إن كان له نظام" لا معنى له سوى إنكار أن يكون لتلك المحكمة العادلة نظام، ولقد كان هذا الإنكار أقرب إلى الصراحة من معانٍ أخرى لا تكشف قناعها إلا حين تلتقي بمن مارس لغة المرتابين، وتفقّه في لحن خطابها.

* القضايا التي ترفع إلى الحكام نوعان:

قال المؤلف في (ص ٤٠): "وفي التاريخ الصحيح شيء من قضائه - عليه السلام - فيما كان يرفع إليه، ولكننا إذا أردنا أن نستنبط شيئاً من نظامه - صلى الله عليه وسلم - في القضاء، نجد أن استنباط شيء من ذلك غير يسير، بل غير ممكن؛