للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن الذي نُقل إلينا من أحاديث القضاء النبوي لا يبلغ أن يعطيك صورة بيّنة لذلك القضاء، ولا لما كان له من نظام، إن كان له نظام".

الأدلة السمعية وما يتفرع عنها من نحو: القياس، والقواعد، بالغة حد الكفاية في إقامة محاكم تسير على قانون العدل، وتزن الحقوق بالقسطاس المستقيم. فإن تراءى لأحد أن الأخبار التي تقص شيئاً من القضايا التي رفعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، هي من القلة بحيث لا تعطي صورة بيّنة للقضاء في عهده، قلنا: التشريع كامل، وسيّان بعد هذا أن تكثر الخصومات لعهد الرسالة، أو تقل، تُنقل إلينا وقائعها، أو لا تنقل، على أن طبيعة ذلك العصر وروحه الاجتماعية يقتضي أن تكون الخصومات بين القوم ذات عدد يسير، وإليك كلمة تنبئك بسبب قلة ما يرفع إلى مقام الرسالة من قضايا المتخاصمين، وتؤكد لك صحة ما نبهنا عليه من أن القضاء العملي ليس وحده المرجع لتعرف حال القضاء النبوي، ومعرفة ما "له من نظام إن كان له نظام".

القضايا التي ترفع إلى الحكام على نوعين:

أحدهما: قضايا تنشأ عن تجاحد الخصمين، فيدّعي أحدهما ما ينكره الآخر، وهذه هي التي يحتاج فيها إلى إقامة البينات، ويمتاز فيها منصب القضاء عن منصب الفتوى.

ثانيهما: قضايا يقرر فيها الخصمان الواقع، ولكنهما يجهلان وجه الحق، ولا يعلمان المحق من المبطل في نظر الشارع، والقاضي في هذا النوع بمنزلة المفتي؛ لأن الخصمين يكتفيان ببيان وجه الحق، وينصرفان عن تراض، والخصومات التي تنشب بين الجماعات المطبوعة على فضيلة الإخاء والتقوى، إنما تكون من هذا النوع القائم على عدم معرفة الحق،