الشيخ أحمد الغزي شطراً في الغزل، وطلب مني إجازته، فأجزته، واستمرت المساجلة إلى أن تألف منها نحو ستة أو سبعة أبيات، رسمها ذلك الأديب بورقة بقيت عنده، ومما قاله في هيئة القمر حين أخذ في الطلوع، وظهر نصفه فوق الجبل:
لاح شطر البدر من فوق الربى ... وله في البحر تمثالٌ أغر
فاطمأن اليوم قلبي إذ رأى ... رأي عين كيف ينشق القمر
ورأيت الباخرة الخديوية قادمة إلى المرسى والجبل أمامها، فقلت:
هذي السفينة تغري الموج جارية ... لمستقرٍّ لها كي تدرأ الكللا
فأذكرتني بمسراها إلى جبل ... قول الخليفة: يا سارية الجبلا
بلغنا إلى "مرسين" فنزلتها رفيقاً للشيخ مصطفى راغب، والشيخ سالم ابن عثمان أحد علماء يافا، والسيد محمود درغوث، فطفنا بأكثر مناهجها وبعض مساجدها، ثم آوينا إلى جامعها الكبير لأداء صلاة الجمعة، فأخذ قارئ مصري يرتل القرآن بأسلوب يستنبط الدمع من الآماق، ثم صعد الخطيب المنبر، فأحسن الخطابة، ومن جملة ما نطق به في الخطبة قوله: أيها المسلمون! ما بال الإسلام في نزول، وغيره في صعود؟! وما بال المسلمين في نحوس، وغيرهم في سعود؟! وما بال الشرع في عدم، وغيره في وجود؟! ... إلخ.
ركب الباخرة من "مرسين" طائفة من العلماء، منهم: الشيخ أحمد بن محمد شكري، والشيخ ولي الدين بن والي، والشيخ علي رضا، فتعززت بهم اجتماعاتنا العلمية، وازدادت بهم رنة الأدب نغمات لذيذة.
* التعصب للمذهب:
دار الكلام على التعصب للمذهب، والذين يطلقون ألسنتهم في الازدراء