قال المؤلف في (ص ١٢٤): "ويحدثنا ابن سلام عن أبي عبيدة: أن داود بن متمم بن نويرة ورد البصرة فيما يقدم له الأعراب، فأخذ أبو عبيدة يسأله عن شعر أبيه، وكفاه حاجته، فلما فرغ داود من رواية شعر أبيه، وكره أن تنقطع عناية أبي عبيدة به، أخذ يضع على أبيه ما لم يقل، وعرف ذلك أبو عبيدة".
نصُّ ابن سلام في "الطبقات" حاكياً قول أبي عبيدة: "فلما نفد شعر أبيه، جعل يزيد في الأشعار، ويضعها لنا، وإذا كلام دون كلام متمم، وإذا هو يحتذي على كلامه، فيذكر المواضع التي ذكرها متمم، والوقائع التي شهدها، فلما توالى ذلك علينا، علمنا أنه يفتعله".
لو كنا نرضى بطريقة المؤلف إذ يذكر الواقعة، ويلحق بها ألفاً، ويذكر بضعة أشخاص فسّاق، ويجعلهم مثال أمة كاملة، لسبقناه إلى إيراد هذه القصة، وقلنا: إن الرواة كانوا يميزون كل شعر منحول؛ فإن أبا عبيدة عرف الشعر الذي نحله داود بن متمم أباه. ولكنا لا نرغب في هذا الضرب من الاستدلال، ولا نحمّل الأشياء فوق ما تطيق، ولا نقول سوى أن القصة تدل على أن في الناس من يفتعل الشعر، ويضيفه إلى أبيه، وتدل -مع هذا- على أن في الرواة من ينقد الشعر، ويفرق بين الصحيح والمصنوع. ونذكّر المؤلف بقصة أخرى تشبه قصة داود وأبي عبيدة: وهي أن الأغلب العجلي كان له ولد ينحله شعراً، قال خلف في الحديث عن الأغلب:"وكان من ولده إنسان يصدق في الحديث والروايات، ويكذب عليه في شعره"(١). ولو