الكتّاب بالمرصاد، ويعرضوا أقوالهم على قانون العلم الصحيح، فإما أن يرجح وزنها، فيرفعوا لها ذكراً، وإما أن يطيش وزنها، فينسفوها بالحجج الرائعة نسفاً.
فللمؤلف وغير المؤلف أن يقول: أخطأ الأصمعي، ولم يوفَّق أبو عبيدة، وضلَّ الكسائي. وله أن يضع علم المتقدمين كله موضع البحث أو الشك، على شرط أن يتحرى في بحثه أو شكه أدباً يشهد بأنه ينشد حقيقة، ويسعى وراء علم. وستفضي إليك الفصول الآتية أن المؤلف حريص على إرضاء عاطفته، ولو ذهب الأدب والمنطق إلى غير لقاء.
* البحث العلمي بين مذهبي المناقشة والنقد:
قال المؤلف في (ص ٣): "المذهب الأول يدع كل شيء حيث تركه القدماء، ولا يناله بتغيير ولا تبديل، ولا يمسه في جملته وتفصيله إلا مساً رفيقاً. أما المذهب الثاني، فيقلب العلم رأساً على عقب. وأخشى إن لم يمح أكثره أن يمحو منه شيئاً كثيراً".
هما مذهبان: مذهب المتابعة، أو المناقشة في دائرة ضيقة، وهي ما سماه المؤلف: مساً رفيقاً، ومذهب نقد النظرية أو الرواية حتى تقوم على وجهها الحق، أو تسقط في جرف الباطل، وهذا المذهب معروف لعلماء الشرق، ولقوة فريق منهم على العمل به استطاعوا أن يزيحوا عن الفلسفة القديمة كثيراً من أوهامها، وينقوا الشريعة من أقوال زائفة تخلط بحقائقها، وينقدوا آداب اللغة فيكشفوا عن نصيب وافر من مصنوعها. ولا مزية لمن يحدّث الناس عن مذهب يقلب العلم رأساً على عقب، وإذا وازنوه بمن لم يمسوه في جملته وتفصيله إلا مساً رفيقاً، وجدوه لا يرجح عنهم إلا بأنه