وبقي معارضو الدعوة الإصلاحية متطلعين إلى الوفاء بالحاجة الثانية، وهي تكوين نشرة تناقش في المباحث الدينية على قاعدة التزام المذهب الذي عليه جمهور العلماء في مسائل أصول الدين الاعتقادية، وفروع الفقه العملية، وكان الحرص على محاكاة مصر في وسائل نهضتها، يحسن لأهل العلم إيجاد مجلة علمية بتونس. إذ كان النشر مقصوراً يومئذ على الصحف.
حتى انتدب لسد ذلك العوز نابغ من شباب شيوخ الزيتونة، هو الشيخ الإمام محمد الخضر حسين، وكان في شبابه بتونس على ما عرف منه الشرق في كهولته وشيخوخته؛ اعتدالاً، وهدوء طبع، وخلوص نية، وسعة علم، وبراعة قلم، فأصدر في شهر المحرم سنة (١٣٢٢ هـ -١٩٠٤ م) مجلة علمية سماها: "السعادة العظمى"، ابتهجت لصدورها جميع الأوساط العلمية والفكرية؛ ثقة بعلم صاحبها وتحقيقه، وصلابة عوده في أمور الدين، مع ما اشتهر من تأييده لحركة المصلحين.
فكان ظهور "السعادة" في معمعة تلك الخلافات كطلوع الحكم العادل،
(١) فقرات تتعلق بمجلة"السعادة العظمى" للإمام محمد الخضر حسين من كتاب "الحركة الأدبية في تونس" للعلامة محمد الفاضل بن عاشور، طبعة سنة ١٩٧٢ م.