للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* الشعر عند البلغاء:

وإنما يعتد البلغاء بالموزون إذا كان حسن التأليف، بارع التخيل، غريب المعاني؛ بحيث لا تحضر في ذهن كل ناظم، وتكون واردة في الغرض الذي سيقت إليه مورداً مقبولاً. وعلى قدر حسن السبك، وبراعة التخيل، وغرابة المعاني، وورودها في الغرض الذي سيقت إليه مورداً سائغاً، يرتفع الشعر في مرتبة البلاغة. والذي يكون مجرداً من هذه الغايات لا يسمى عند الأدباء شعراً، كما قال بعضهم:

إذا كنتَ لا تدري سوى الوزن وحده ... فقلْ: أنا وزّانٌ ولست (١) بشاعرِ

ويشترط بعض البلغاء في الموزون: أن يكون مطابقاً للواقع. قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:

وإنما الشعر عقلُ المرءِ يعرضهُ ... على البريةِ إن كيْساً وإن حمقا

وإنَّ أشعر بيتٍ أنت قائُلهُ ... بيتٌ يقال إذا أنشدته: صَدَقا

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

"أشعرُ شعرائكم زهير، فإنه لا يعاظل بين الكلام، ولا يتتبع حوشيه، ولا يمدح الرجل إلا بما يكون في الرجال".

وقال عمر بن عبد العزيز، لما دخل عليه جرير ليهنئه بالخلافة: "اتق الله يا جرير، ولا تقل إلا حقاً".

ويدخل في قبيل بلاغة الكلام: المجاز العقلي واللغوي، مفرداً أو مركباً، والتشبيه والاستعارة والكناية والتعريض، ومستتبعات التراكيب،


(١) رواية "نفحات الأزهار"، مبحث: التهذيب والتأديب: وما أنا بشاعر.