وأمر الحساب لا يعرفه إلا قليل من الناس، ولو كان الحساب طريقاً يعتد به في ثبوت الشهر، لعلّمه النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة كما كانوا يعلمون أوقات الصلوات، ويرد استدلال مطرف: بأن المراد من الآية: الاهتداء في طريق البر والبحر.
يبلغ عدد سكان هذه المدينة نحو ٥٥ ألف نسمة، نصفهم من المسلمين، وأربعة آلاف من اليهود، والباقي من الإفرنج.
* باتنة:
ثم التقيت بابن عمنا الشيخ الحسن، فربطنا النية على المرافقة في السفر، فتوجهنا إلى "باتنة"، فوصلنا في الساعة الثامنة مساء. وبعد أن وضعنا أوزار الأتعاب، تجولنا في شوارعها، فإذا هي فسيحة العرض، متناسقة البناء، منورة بالكهرباء، وفي أثناء المطاف قال لي رفيقنا المذكور: إني أعرف هنا رجلاً من أهل العلم والأدب، فقلت: تلك الضالة التي ننشدها في مثل هاته الليلة، اسع بنا إلى أن نروح الخواطر بأسماره. فمضينا حتى انتهينا إلى محل معدّ للتجارة، فوجدنا جماعة جالسين على شكل نصف دائرة، فلما رأونا، انتفضوا قائمين، وعلى وجوههم نضرة البشر والابتهاج، وعلى تحيتهم طلاوة الأدب واللطافة، فكان ذلك براعة استهلال لما ينبغي ملاحظته في ذلك المنتدى، واتفق أن كان من زمرة هؤلاء الفضلاء: الشيخ أحمد البوعوني المشار إله، والشيخ إبراهيم بن السلمي، ولكل منهما فصاحة منطق، وسجية نزاعة للأدب، ولأولهما شعر جيد، فقضينا في السمر مقدار ثلاث ساعات، كانت لتلك الليلة نطاقاً جميلاً. ولما أزمعنا الانصراف، ووقفنا موقف الوداع، تكدرت خواطرهم؛ لانصداع إيوان تلك المؤانسة، وتقطع أسبابها، فألقوا على مسامعنا عبارات يتمشى التحسر والتأسف في مناكبها، فقلنا لهم: العود أحمد، وأنشدنا لهم: