العمل على إنقاذ النفوس من وادي الغواية، والإقبال بها على مطالع السعادة؛ مسلك وعر لا يمر فيه على استقامة إلا من بلغ في صناعة البيان أمداً قاصياً.
لا يكفي في الدعوة أن يكون يزيد القائم بها حجة أو موعظة يلقيها في أي صورة شاء؛ فإن المخاطبين يختلفون ذوقاً وثقافة اختلاف الزمن والبيئة، ومن اللائق أن تصاغ دعوة كل طائفة في أدب يليق بأذواقها أو ثقافتها.
الخبرة بما للطوائف من أحوال نفسية، والقاء الدعوة في الثوب الملائم لهذه الأحوال؛ موكول إلى ذكاء الداعي، ورسوخِه في فنون البلاغة وأدب اللسان. ولا يمنعنا هذا من تذكير القارئ ببعض جمل نوردها كأمثلة للأدب الذي تخرج به الدعوة في خطاب بليغ.
من أدب الدعوة: الرفق في القول، واجتناب الكلمة الجافية؛ فإن الخطاب اللين قد يتألَّف النفوس الناشزة، ويدنيها من الرشد والإصغاء إلى الحجة أو الموعظة. قال تعالى في خطاب موسى وهارون- عليهما السلام-: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: ٤٣، ٤٤]. ولقّن موسى - عليه السلام - من القول اللين أحسنَ ما يخاطَب به جبّار يقول لقومه:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[النازعات: ٢٤]؛ فقال تعالى: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (١٨)