لكل كلام عربي بليغ معانٍ أصلية تحصل من مجرد نسبة الفعل إلى الفاعل، أو الخبر إلى المبتدأ، وهي ما يقع عليه فهم كل سامع عرف ما وضعت له ألفاظ الجملة، وكان خبيراً بما تدل عليه وجوه إعرابها؛ من نحو: الفاعلية، والمفعولية، والحالية، والإضافة، وللكلام بعد هذه المعاني الأصلية معانٍ ثانوية، وهي ما يبحث عنها في علوم البلاغة، ويسميها علماء البلاغة: مستتبعات التراكيب.
وبهذه المعاني يرتفع شأن الكلام، وفي مجالها يتسابق فرسان البراعة من الخطباء والكتاب والشعراء، فقد يتفق المتكلمان بمنظوم أو منثور في إفادة المعنى الأصلي، ويمتاز أحدهما عن الآخر بما يلابسه من معان زائدة على المعنى الذي اشتركا في إفادته.
وللقرآن المجيد معان أصلية، هي ما تفيد الآيات المفصلة من الأوامر والنواهي، والحِكَم والأحكام والقصص، وما ترسمه من أوضاع العبادات، وتقيمه من حجج على عقيدة التوحيد، وما تحثُّ عليه من أخلاق وآداب، وتبشر به من ثواب، وتنذر به من عقاب، إلى ما يشاكل هذا من المعاني الزائدة
(١) مجلة "لواء الإسلام" - العدد الثامن من السنة الرابعة الصادر في ربيع الثاني ١٣٧٠ هـ - يناير كانون الثاني ١٩٥١ م.