في القول وزندقة، ويحاولون إغواء النفوس الزاكية، وإلقاءها في تهتك وتخاذل وشقاء.
الذين يستضيئون بحكمة الإسلام شأنهم أن يبحثوا ما تحتويه علوم الفلسفة، ويزنوه بقانون المنطق الصحيح، فيقرّوا ما قام الدليل على صدقه، ويطرحوا ما كان زعماً باطلاً، أو افتراضاً لا يتكئ على حجة، وفي علماء الأندلس من استضاؤوا بحكمة الإسلام، وخاضوا غمار الفلسفة على بصيرة، فكانوا المثل القيم يشهد بأن الفلسفة التي هي بنت الحجة، لا تتعاصى أن تجتمع مع مبادئ الإسلام في نفس واحدة.
* اعتزاز علماء الأندلس بمقاماتهم العلمية:
أخرجت معاهد العلم بالأندلس رجالاً كانوا يعتزون بمقاماتهم العلمية، فلا تستخفهم الحظوة عند رئيس أعلى، ولا تتعاظمهم الولايات، وإن كبر سلطانها، وملأت الأبهة ما بين جوانبها، ويتجلى هذا الخُلق العظيم في مظاهر كثيرة، وإليكم طائفة من أمثلتها:
من هذه المظاهر: أن فريقاً منهم تقلدوا منصب القضاء في قرطبة وغيرها، فاعتصموا فيه بحبل العدل، وأقاموا المساواة على وجهها، فلا فضل لصاحب الدولة على أدنى الناس منزلة وأقلَّهم ناصراً إلا بتقوى الله.
رفع رجل من كورة "جيان" على محمد بن بشير قاضي قرطبة قضية على الحكم بن هشام صاحب الأندلس، ولما استبان القاضي صحة البينة، حكم على الأمير، وآذنه بأنه إذا لم ينقد للحكم، ويذعن لإنفاذه، تخلى عن ولاية القضاء غير حريص عليها، فما وسع الأمير إلا أن يمد عنقه لقضاء محمد بن بشير مرغماً.