فسيرة ابن بشير في نحو هذه الواقعة دليل على خلق اعتزازه بالعلم، وأنه لم يتقبل الولاية إلا ليظهر حقاً، أو يصرع باطلاً.
ورفعت إلى محمد بن بشير هذا قضية كان أحد الخصمين فيها سعيد ابن عبد الرحمن الداخل عمّ الحكم، واستشهد سعيد بن عبد الرحمن في القضية بالحكم نفسه، وكان يحسب شهادة أمير البلاد ضربة لازب، وأنها لا تقع في مجلس القاضي إلا موقع الحجة القاطعة للنزاع، فلما نظر ابن بشير في الشهادة، قال لوكيل سعيد بن عبد الرحمن:"هذه شهادة لا تعمل عندي، فجئني بشاهد عدل"، فبهت الوكيل دهشة، وأنهى سعيد الأمر إلى الحكم، وأخذ يغريه بالقاضي، ويحرضه على الإيقاع به، فقال له الحكم: القاضي رجل صالح لا تأخذه في الله لومة لائم، ولست أعارضه فيما احتاط به لنفسه، ولا أخون المسلمين في قبضة يد مثله، ولما خوطب ابن بشير في رد شهادة الحكم، قال: إنه لا بد في الشهادة من الأعذار، ومن الذي يجترئ على الطعن في شهادة أمير المؤمنين لو قبلتها، وإذا لم أعذر، كنت بخست المشهود عليه حقاً.
ولمنذر بن سعيد البلوطي في هذا الشأن وقائع يرفع بها العدل رأسه عزيزاً متعاظماً. ومن هذه الوقائع: أن الخليفة عبد الرحمن الناصر دعته الحاجة إلى شراء دار، ووقع اختياره على دار يملكها بعض الأيتام، فأرسل إليها مقوماً، وأرسل من يخاطب ولي الأيتام في بيعها، فذكر له الولي أن بيع الأصول موقوف على رأي القاضي ومشورته، فأرسل الخليفة إلى القاضي منذر بن سعيد ليأذن ببيع الدار، فأجابه منذر بأن ليس للأيتام حاجة إلى بيع هذه الدار، فإن بذلت لهم من الثمن ما تستبين به الغبطة، أذنت الولي ببيعها منك، فسكت