تعظم الأمة، وترقى في سماء العزة والمنعة بخصال، من أكبرها أثراً: الاقتصاد في الإنفاق، والاقتصاد فضيلة بين رذيلتين، هما: البخل، والإسراف.
وتقديره يختلف باختلاف أحوال الأشخاص؛ من اليسار، وقلة ما في اليد، وضابطه: أن لا يتجاوز الإنسان في نحو مطعمه وملبسه ومسكنه وأثاث منزله سيرة من يماثلونه في مقدار ما يملك أو يكسب من المال، وهم يعيشون في مروءة وسلامة من هموم الدَّين.
ولما كان الاقتصاد يقوم على عدم الاسراف في الترف، اخترنا أن نجعل حديثنا في الإسراف وما يجرُّ إليه من عواقب وخيمة.
الإسراف يفضي إلى الفاقة، ذلك أن المسرف يطلق يده في الإنفاق إرضاء لشهواته حتى يفقده ما عنده، وينزل إلى طبقة المقلّين أو المعدمين، وكم من بيوت أسسها آباء مقتدرون، وعمَّروها بما يليق بها من المرافق والأمتعة، وأقاموا حولها وسائل للثروة؛ من نحو: المزارع أو المصانع أو المتاجر، ثم صارت إلى أبنائهم من بعدهم، وقد غلب عليهم حب الترف، فأطلقوا لشهواتهم العنان حتى أتلفوا وسائل الثروة، وتقوَّض بناء تلك البيوت،
(١) محاضرة الأمام في دار الإذاعة المصرية بالقاهرة بدعوة من صزارة الشؤون الاجتماعية. ونشرت في مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الأول والثاني من المجلد الرابع عشر.