والتحق أولئك الخلف بطبقة الذين لا يجدون ما ينفقون.
وإذا وقع الرجل في الفقر بعد اليسار، تجرّع مرارة الهوان المصحوب بحسرات، وكذلك الأمة تملك عزتها بقدر عمارة بيت مالها، قال أبو جعفر المنصور في وصيته للمهدي:
"فإنك لا تزال عزيزاً ما دام بيت مالك عامراً".
ومن ثم كان القاضي منذر بن سعيد البلوطي يواجه الخليفة عبد الرحمن الناصر بالنهي عن الإسراف في المباني وزخرفتها، ويلقي بحضرته الخطب الزاجرة، حتى خاطبه يوماً بقوله:
يا باني الزهراء مستغرقاً ... أوقاته فيها أما تمهلُ
لله ما أحسنَها رونقاً ... لو لم تكن زهرتها تذبل
ثم قال: اللهم اشهد فقد بلّغت.
والإسراف في الترف ينبت في النفوس أخلاقاً مرذولة، من نحو: الجبن، والجور، وقلة الأمانة، والإمساك عن البذل في وجوه الخير.
أما أن الإسراف في الترف يدعو إلى الجبن، فلأن شدة تعلق النفوس بالزينة واللذائذ من العيش يقوّي حرصها على الحياة، ويحملها هذا الحرصُ على تجنب مواقع الحروب، وإن كانت مواقف شرف وذود عن النفس والعرض والمال.
شأن المحفوف بالزينة وملاذ العيش أن تشتد كراهيته للموت، ولا يسابق إلى خوض غمار الحروب، لهذا ترى الرجل الذي يريد أن يجعل لشجاعة ممدوحه مزية زائدة، يحدثك أنه يندفع إلى الحروب غير مبال بما تركه وراءه من لذة وزينة، كما قال الحطيئة العبسي: