للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم تكن لنا قوة بهم؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية، كان لهم الفضل علينا، وإلا نُنصر عليهم بفضلنا، لم نغلبهم بقوتنا ومنه: "ولا تقولوا: إن عدونا شر منا، فلن يُسلط علينا، وإن أسأنا، فرب قوم سلط عليهم من هو شر منهم (١) ".

فصلاح حال الجيش -ولا سيما من بيدهم قيادته- يستدعي تأييد الله تعالى لهم تأييداً مؤزراً، وقد ياتيهم النصر بعد استعدادهم، من حيث لا يحتسبون، فإذا تفشت فيهم المعاصي، لم يأمنوا أن يكون من عقوبة معاصيهم ابتلاؤهم بالوهن والفشل أمام سطوة عدوهم.

قال القاضي أبو بكر بن العربي: لقد حضرت صفاً في سبيل الله في بعض الحروب مع قوم من أهل المعاصي والذنوب، فلما وازينا العدو، أقبلت سحاب وريح ورذاذ كأنه رؤوس الإبر، يضرب في ظهر العدو، ويأخذ وجوهنا، فما استطاع أحد منا أن يقف مواجهة العدو، ولا قدرنا على فرس أن نستقبله بها وعادت الحال إلى أن كانت الهزيمة علينا".

* الدهاء في الحرب:

للشجاعة وكثرة الجند وجودة السلاح أثر في الانتصار، ولكن للدهاء -أعني: جودة الرأي- الفضل الأكبر في الفوز والغلبة. وجودة الرأي هي التي أرادها النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: "الحرب خدعة". فالمراد من الخدعة: اتخاذ طرق خفية للوصول إلى الظفر؛ كالكَمين، والعمل لإيجاد شقاق في صفوف الأعداء، وكما فعل نعيم بن مسعود الأشجعي في واقعة الأحزاب؛ إذ سعى بين المشركين


(١) أورد محمد بن عبد الحكم في سيرة عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - عهداً عهد به عمر بن عبد العزيز إلى منصور بن غالب يشبه هذا الخطاب.