للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصيح من الكلام (١)

ترى كثيراً منهم يسارعون إلى التصنع في التركيب والتوغل في الغرابة ما استطاعوا، ظنا منهم أن التصنع فيها مما يرتفع به شأن الكلام في الحسن والقبول، كلا، لا يكسبه ذلك إلا هِجنة وانحطاطاً إلى الدرك الأسفل في هذه الصناعة، وإنما الممدوح عندهم ما كانت معانيه واضحة وعبارته مستعذبة، بعيداً عن تكلُّف الاصطناع، ولذلك إذا اشتغل الشاعر العربي بالتنقيح اختلف أهل العربية في الأخذ عنه، فقد كان "الأصمعي" يعيب "الحطيئة"، واعتذر عن ذلك بأن قال: "وجدت شعره كله جيداً فدلني على أنه كان يصنعه، وليس هكذا الشاعر المطبوع، إنما الشاعر المطبوع الذي يرمي بالكلام على عواهنه جيده على رديئة".

ومما يوجب التعقد في الكلام وصعوبة الفهم، القصد إلى المعاني التي يتوقف فهمها على مقدمة من معرفة صناعة، أو حفظ قصة، فالواجب ألا يستعمل من الأخبار والأقاصيص إلا ما اشتهر بين غالب الأدباء، أما الذي لا يعهده إلا الخاصّة منهم فالإشارة إليه إحالة على مجهول، وينبغي التحاشي عن استعمال شيء من معاني العلوم والصنائع أو شيء من عباراتهم، إذا كان


(١) العدد الخامس - الصادر في غرة ربيع الأنور ١٣٢٢.