للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولتوغل "قريش" في البلاد العربية وبعدهم عن أهل اللغات الأجنبية، كانت لغتهم أفصح لغات العرب، ثم من اكتنفهم من "ثقيف، وهذيل، وخزامة، وبني كنانة، وغطفان، وبني أسد، وبني تميم"، وأما من بعد عنهم "كربيعة، ولخم، وجذام، وغسان، وإياد، وقضاعة، وعرب اليمن المجاورين لأمم الفرس والروم والحبشة"، فلم تكن لغتهم تامة الملكة، وعلى نسبة بعدهم من قريش وقع الاحتجاج بلغتهم في الصحة والفساد عند أهل الصناعة العربية.

ويعنون بكرم الدولة إقبال عظمائها على من آنسوا منه رشداً وبراعة في فن من الفنون لترقيته لما هو به جدير، وبذلك ينشط غيره من عقال التماوت، ويثب على بضاعة تجارتها نافقة، والسعي وراء أعمال نتيجتها محققة، ويدلنا لهذا ما يحكيه المؤرخون عن الملك المعظَّم المتوفى سنة ٦٢٤ هـ من أنه شرط لكل من حفظ "مفصَّل الزمخشري" مائة دينار وخلعة، فحفظه خلق كثير لهذا السبب، ومن لطائف هذا الملك أن "شرف الدين بن عنين" حصل له توعك، وكان بينهما مؤانسة، فكتب إليه:

انظر إليَّ بعين مولى لم يزل ... يولي الندا وتلاف قبل تلافِ

أنا كالذي أحتاج ما يحتاجه ... فاغنم دعائي والثناء الوافي

فجاء إليه بنفسه يعوده ومعه جائزة، وقال له: "هذه الصلة وأنا العائد"، قال القاضي "ابن خلكان": "وهذه لو وقعت لأكابر النحاة ومن هو في ممارسة النحو طول عمره لاستعظمت منه".

ومن تتبع تواريخ الفحول الذين اشتهروا في هذه الصناعة الأدبية أو غيرها من الفنون، وجد الغالب منهم مرموقاً من قبل الدولة بعناية تقوي العزائم، وتبعث في الهمم العالية روح النشاط.