من سنن الخطابة عند العرب وغير العرب أن يقرن الخطيب بعض أقواله بإشارات محسوسة؛ كرفع اليد وخفضها، أو قبضها وبسطها، أو إدارتها إلى اليمين في حال، دادارتها إلى اليسار في حال أخرى، وأمثال هذه الإشارات لا يكاد صاحب حديث يستغني عنها، قال ثمامة بن أشرس: لو كان ناطق يستغني بمنطقه عن الإشارة، لاستغنى جعفر بن يحيى عن الإشارة كما استغنى عن الإعادة.
وقد يتكلف الرجل أن يتكلم في هدوء وسكون، ويحرص على أن لا يتحرك من جوارحه حين يتحدث غير شفتيه ولسانه، مثل ما كان يصنع أبو شمر، ويقول: ليس من المنطق أن تستعين عليه بغيره. وإنما تتيسر هذه الهيئة لمن يتحدث في راحة بال، وقرارة جأش، وليس هذا شأن الخطيب المطبوع، وإنما شأنه توقد الفؤاد، وهياج العاطفة، فهو في انفعال يضطره إلى أن يحرك يده، ولو قليلاً.
فالخطيب الأحوذ من يحتفظ بحسن الصمت, ولا يكثر من الإشارة، وإذا أشار، فإنما تكون إشارته من الحكمة كأنها شيء استدعاه المعنى بطبيعته.
* القيام بمكان مرتفع حال الخطابة:
يقف الخطيب بمكان مرتفع؛ لكي يمتد صوته إلى مدى أبعد مما يبلغه لو كان قائماً بمكان مساو لمقاعد المستمعين، ومن دواعي ارتفاع الخطيب: أن يشهد الحاضرون إشارته الممثلة لبعض المعاني المعقولة، ووقوف الخطيب بمرأى من المستمعين يدعوهم إلى الإقبال عليه بأوفى مما لو كانوا يسمعون