للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإبداع في فنون الكلام (١)

الإبداع في فنون الكلام له أغراض وقد استهل بها وجه السعادة الثانية (٢)، ومهيئات وهي ما تناجيك به هذه الصحيفة، يقول الباحثون عن دقائق هذه الصناعة، المهيئات طيب البقعة وفصاحة الأمة وكرم الدولة، فقلَّما برع في المعاني من لم تنشئه بقعة فاضلة، ولا في الألفاظ من لم ينشأ بين أمة فصيحة، ولا في جودة النظم من لم يحمله على مصابرة المخاطر في أعمال الروحة الثقة بما يرجوه من كرم الدولة.

يعنون بطيب البقعة نزاهتها عما يوحش بتدفق ماء الحسن على مناظرها، يؤكد قولهم هذا أن غالب المتصرفين في صياغة الألفاظ، الغواصين على المعاني المبتدعة هم أهل الحواضر (٣)، وما ذلك إلا لتوفر أسباب الانبساط بها، واشتمالها على معان شتى، ينتزع الذهن منها هيئات غريبة لا طريق لتصورها إلا المشاهدة، وأما فصاحة الأمة فلأن اللغة ملَكَة تحصل للسامع على نحو ما يلقيه إليه السمع، فتكون عبارة المتكلم بالضرورة متابعة في جودتها ورداءتها لما عليه لغة قومه التي رُبِّي بها وليداً، ولبث فيها من عمره سنين،


(١) العدد الرابع - المصادر في ١٦ صفر ١٣٢٢.
(٢) إشارة إلى المقال السابق "تقسيم الكلام بحسب أغراضه".
(٣) نعني بأهل الحواضر من لهم خبرة بشؤونها سواء نشؤوا فيها أو وردوا عليها.